الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (3)

إن اليهود وجدوا أمامهم لأول مرة في تاريخهم دليل عمل يحدد لهم معالم الطريق، يطرح المشكلات ويقدم لها الحلول، فلم يكن الكتاب مجرد نظرية متناثرة أو شطحات

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (3)
علاء بكر
الثلاثاء ١٨ مارس ٢٠١٤ - ٢٠:٢٧ م
2184

صفحات مطوية من القضية الفلسطينية قبل قيام دولة إسرائيل (3)

"تيودور هرتزل والدولة اليهودية"

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فـ"تيودور هرتزل" كاتب يهودي امتلأت نفسه بهموم اليهود في العالم، فوضع مشروعه لإقامة دولية قومية لليهود، ثم سعى بكل السبل لتحقيق ما خطط له، ونجح في تجميع جهود اليهود في العالم لتسير في الاتجاه الذي أراده.

ولد "هرتزل" في مدينة "بودابست" بالمجر في 2 مايو 1860م من أب يهودي ثري يعمل في التجارة، ودرس الحقوق في جامعة فيينا بالنمسا، وعمل كاتبًا وصحفيًّا في المجالات السياسية والأدبية حيث نشر أول مقال له في 27 مايو عام 1885م, وأصبح من عام 1891م وحتى عام 1895م مراسلاً في باريس للجريدة الحرة الجديدة "نيو فري باريس" التي كانت تصدر في فيينا.

ألَّف في عام 1894م مسرحيته "الجيتو الجديد"، تتحدث عن الأوضاع الاجتماعية للطبقة اليهودية العليا في فيينا، وتعتبر محاولة للتعبير عن توجهات "هرتزل" في المسألة اليهودية.

بدأ "هرتزل" يسجل يومياته من عام 1895م، وفي 2 يونيو 1895م التقى "هرتزل" بالبارون "دو هيرش"، حيث قدَّم له فكره، ولكن "دو هيرش" لم يرحب بخطة "هرتزل" السياسية، بينما اعتبر هرتزل هذا اللقاء بداية عمله من أجل الصهيونية.

بدأ "هرتزل" في نفس العام -1895م- كتابة المسودة لكتابه: "الدولة اليهودية"، وانتهى من تسجيل أفكاره مع أواخر ذلك العام، ثم سعى لنشر الكتاب حيث تعاقد في 19 يناير عام 1896م مع "ماكس بريتنشتين" في فيينا على نشر ثلاثة آلاف نسخة من الكتاب كطبعة أولى، ونشر الكتاب باللغة الألمانية في فبراير 1896م.

وقد تمت ترجمة الكتاب من الألمانية إلى الإنجليزية بمعرفة "سيلفي دافيجدور"، وقام بنشر الكتاب في لندن الناشر (نت) عام 1896م، أي في نفس عام ظهور الكتاب.

لم يكن "هرتزل" أول مَن صاغ الفكر الصهيوني داعيًا إلى إقامة دولة لليهود، فقد سبقه مثلاً "موسى هس" في كتابه "روما والقدس" عام 1862م، الذي بيَّن فيه رأيه في القومية اليهودية كحل للمشكلة اليهودية.

كما ألَّف "ليو بينسكر" أيضًا كتابه "التحرر الذاتي" عام 1882م ينادي فيه بوطن قومي لليهود، ولكن "هرتزل" بلور تلك الأفكار جميعها، وحدد الأهداف الأساسية للحركة الصهيونية مقترحًا أفضل الوسائل لتنفيذها.

ولا شك أن ثقافة "هرتزل" القانونية والمسرحية كان لها أثر على صياغة أفكاره، فلقد أعطته الثقافية القانونية نظرة خاصة للقضايا العامة جعلته يحرص على توفير الشكل القانوني للأمور، أما ثقافته المسرحية فنجدها في فصول الكتاب المرتبطة الحلقات، المتسقة الألوان، مع شيء من الخيال لاستكمال جوانب الصورة.

لقد نجح "هرتزل" في طرح أفكاره، وفي عرض كل التفاصيل الدقيقة لسد الطريق على أية معارضات لخطته، فأثار النقاط الكبرى: كاللغة، والقوانين، والجيش، وإنشاء الجمعية اليهودية، وتشكيل الشركة اليهودية، وشراء الأراضي إلخ.

كما تطرق إلى كيفية تصفية أعمال المهاجرين ونقلهم وبضاعتهم، وكيفية التعامل معهم، وما يحميهم من الاستغلال، ووسائل الرفاهية، والمساكن التي تعد لهم، مما يدل على قناعته العميقة بالفكرة، وحرصه على نجاحها.

كانت فكرة "هرتزل" أن يمنح اليهود أرضًا يتجمعون فيها، ويهاجر إليها المضطهدون من يهود العالم لتكون وطنًا قوميًّا لهم، ولتحقيق ذلك اقترح تأسيس وكالة يهودية تتولى الأعمال التحضيرية الخاصة بأعمال التنظيم والمفاوضات السياسية، وإنشاء شركة يهودية تكرِّس جهودها لدراسة مختلف المسائل المالية والاقتصادية الخاصة بتنفيذ الاقتراح، ولم تكن ردود الفعل الأولى للكتاب مشجعة؛ إذ أكسبه عددًا غير كبير من الأنصار، ولكن حماس "هرتزل" لفكرته كان كبيرًا، فسعى بكل قوة لتحقيق ما اقترحه.

ترجع أهمية كتاب "الدولة اليهودية" إلى أمور، منها:

1- إن الكتاب نقل المسألة اليهودية من قضية تخص اليهود أو محلية تتعلق بالوطن الذي يعيش فيه اليهود -سواء كان روسيًّا أو ألمانيًّا أو غيرها- إلى قضية سياسية عالمية، فلم تعد مواجهة تلك المشكلة تعود إلى السلطات المحلية في كل بلد على حدة، بل أصبحت مسئولية عالمية على كل دولة مناقشتها، والمشاركة في إيجاد الحلول لها.

لقد جعل "هرتزل" اليهود لا يخشون من آثار ظهور حركة دولية تتبنى مطالبهم القومية، فلم يعودوا يعيشون في الجيتو أو يتوارون في الأركان، لقد أعطاهم "هرتزل" الشعور بأن عالمًا بأسره بدأ ينحاز إلى قضيتهم.

2- إن اليهود لم يكونوا يعتبرون شعبًا قبل ظهور الكتاب، حيث كانوا أقليات منطوية على نفسها في معظم بلدان أوروبا، فجاء الكتاب كي يحاول القضاء على انعزالهم وتشتتهم، ويجعل منهم شعبًا، ولم يكن لهم دولة فحدثهم هرتزل عن دولة مرتقبة، أي أن الكتاب جعل اليهود شعباً، وجعل لهذا الشعب دولة.

3- إن اليهود وجدوا أمامهم لأول مرة في تاريخهم دليل عمل يحدد لهم معالم الطريق، يطرح المشكلات ويقدم لها الحلول، فلم يكن الكتاب مجرد نظرية متناثرة أو شطحات، بل كان دليلاً للعمل الصهيوني تسير على خطاه حتى يتم بناء الدولة اليهودية.

لقد اهتم "هرتزل" في كتابه بإيجاد حلول للمشكلات المختلفة التي يمكن أن تواجِه المهاجرين سواء في البلد المهاجرين منها أو إليها، ليس فقط من أجل طمأنة المهاجرين على أموالهم وممتلكاتهم في أوطانهم الأصلية أو بعد وصولهم إلى الوطن المرتقب، بل أيضًا من أجل توفير الظروف المناسبة لنجاح الخطة، وإيجاد البدائل المختلفة، وهو ما نجح "هرتزل" في طرحه إلى حد كبير.

ونلاحظ على كتاب الدولة اليهودية أمرين هامين:

أولهما: إن "هرتزل" لم يجد غضاضة في الاعتراف بالدولة اليهودية كرأس حربة لأوروبا في نظير ضمان لوجودها، حيث يقول في الكتاب: "ومن هناك سوف نشكل جزءًا من استحكامات أوروبا في مواجهة آسيا كموقع أمامي للحضارة في مواجهة البربرية، وعلينا -كدولة طبيعية- أن نبقى على اتصال بكل أوروبا التي سيكون من واجبها أن تضمن وجودنا" (راجع مقدمة أ.د.عادل غنيم لكتاب الدولة اليهودية لتيودور هرتزل، ترجمة محمد يوسف عدس ومراجعة ودراسة أ.د. عادل حسن غنيم ط. دار الزهراء للنشر ط.1414هجريا -1944م ص 11).

وقد كرر "هرتزل" هذا المعنى في أكثر من موضع، فعندما يتحدث عن إنشاء الشركة اليهودية يؤكد أنها سوف تكون تحت حماية لإنجلترا؛ مما يوضح أن اليهود كانوا يعرفون جيدًا أنهم غير قادرين -رغم أموال رجال الأعمال اليهود وإمكانياتهم- على القيام وحدهم ببناء الدولة المنتظرة، وأنه لابد من الاعتماد على الدول الأوروبية الاستعمارية لدعم قيام هذه الدولة وحمايتها في المستقبل.

ثانيهما: إن فلسطين بالذات لم تكن هي الأرض المقصودة دون غيرها لتكون وطنًا لليهود أو أرض الميعاد، بل كان المراد فلسطين أو غيرها؛ يدل على ذلك مناداة "هرتزل" في المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903م باختيار أوغندا مقرًّا للوطن القومي اليهودي، وكان ذلك اقتراحًا إنجليزيًّا رغم قرار المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897م بإنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين، ومن قبل اقترح البارون "هيرش" إقامة الدولة اليهودية في الأرجنتين.

ويلاحظ أن الصهيونيين لم يقوموا بطبع كتاب "الدولة اليهودية" -أي طبعة أخرى- لسنوات طويلة إلا طبعة في عام 1936م، خشية تنبه العرب للمخططات الصهيونية التي كانت تهدف إلى انتزاع فلسطين بعد إغراقها بموجات متتابعة من المهاجرين اليهود من مختلف بقاع العالم.

أما بعد أن قويت شوكة اليهود، وأعلن "بن جوريون" في تل أبيب عام 1942م أنه بالفعل تم بناء وطن قومي لليهود تحت رعاية ودعم الحكومة البريطانية، وأن الصهيونية وضعت خططها الأخيرة لتصبح فلسطين دولة يهودية - صدرت طبعات جديدة للكتاب في أعوام 1943م، و1946، و1972م، و1988م.

وللأسف لم يطبع الكتاب باللغة العربية إلا في التسعينيات من القرن العشرين رغم أهمية هذا الكتاب بالنسبة للعرب؛ لما فيه من الدعوة للاستيلاء على فلسطين -أو غيرها-، ووضع التخطيط لتحقيق ذلك.


www.anasalafy.com

موقع أنا السلفي

تصنيفات المادة