الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (3) مبشرات من قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-

معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (3) مبشرات من قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-
كتبه/ أحمد فريد
الأربعاء ١٠ نوفمبر ٢٠٢١ - ١٨:٥٧ م
183

معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (3) مبشرات من قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الدارس لقصص الأنبياء، والقصص القرآني عمومًا، يقف على حقيقة ثابتة، وهي: أن العاقبة للمتقين؛ لما انهزم المسلمون في غزوة "أُحُد"؛ لأنهم خالفوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عزاهم الله -عز وجل- بقوله: (‌قَدْ ‌خَلَتْ ‌مِنْ ‌قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران: 137)، أي: أن ما حدث بأحد لا يمكن أن يكون نهاية الصراع بين المؤمنين والمكذبين؛ لأن العاقبة للمتقين، ولما سأل هرقلُ أبا سفيان بن حرب عن حرب قريش لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "سجال ينتصر علينا وننتصر عليه، قال: كذلك الرسل، ثم تكون لهم العاقبة".

فقصة الصراع بين الحق والباطل واحدة مع اختلاف الأزمنة والأمكنة، ولا يمكن أن يسلِّم اللهُ -عز وجل- أولياءه لأعدائه حتى يقضوا عليهم قضاءً نهائيًّا، فيزيلون عينهم وأثرهم، ولكن لا بد أن تبقى منهم بقيةٌ تكون لهم العاقبة؛ لأن الله -عز وجل- كتب على نفسه أن ينتصر هو ورسله، وأتباعهم من المؤمنين.

فدارسة القصص القرآني تزيد المؤمنين إيمانًا واستبشارًا بوعد الله -عز وجل- وبنصر الله -عز وجل-، قال -تعالى-: (‌وَكُلًّا ‌نَقُصُّ ‌عَلَيْكَ ‌مِنْ ‌أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود: 120)؛ لذا كان مما يميز القران المكي اشتماله على القصص قال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ ‌كَانَ ‌عَاقِبَةُ ‌الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (الروم: 9-10).

فهذا نوح -عليه السلام- مَكَثَ في قومه يدعوهم الي الله -عز وجل- ألف سنة إلا خمسين عامًا؛ دعاهم سرًّا وجهارًا، ليلًا ونهارًا، وما دعا عليهم حتى أوحى الله -عز وجل- إليه أنه لن يؤمن مِن قومك إلا من قد آمن، فقال: (لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا . إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا ‌فَاجِرًا ‌كَفَّارًا) (نوح: 26-27)، ودعا ربه: (أَنِّي ‌مَغْلُوبٌ ‌فَانْتَصِرْ) (القمر: ??).

ففتح الله -عز وجل- أبوابَ السماء بماء منهمر، وفجَّر الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر، وأنجى الله -عز وجل- نوحًا ومَن معه مِن المؤمنين، وأهلك الكافرين والمكذبين، وجعل ذريته، إكرامًا له هم الباقين، فصار نوحٌ أبا البشرية الثاني بعد أبيهم آدم، وأرسل الله -عز وجل- على ثمود -قوم صالح- الصيحة التي قطعت قلوبهم في أجوافهم، وزلزل الأرض مِن تحتهم، وأرسل على عاد -وكانوا عمالقة ينحتون من الجبال بيوتا- ريحًا صرصرًا عاتية شديدة الهبوب، ولها صوت يخلع القلوب، سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، فكانت الريح تحمل الواحد منهم إلى السماء، ثم تقذفه على الأرض، فينكسر رأسه، فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل تري لهم من باقية؟!

وأرسل إلى قرى اللوطية جبريل -عليه السلام- فحمل قرى اللوطية على طرف جناحه، ورفعها إلى السماء، ثم جعل عاليها سافلها، وأمطرهم الله -عز وجل- بحجارة من سجيل، مسومة عند ربك للمسرفين، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد، وأغرق فرعون وجنوده، وأرسلت أرواحهم إلى النار، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق، وخسف بقارون وداره وماله.

ويظهر في القصص القرآني صدق وعد الله -عز وجل- للمؤمنين، فمِن ذلك معية الله -عز وجل- قال -تعالى-: (إِنَّنِي مَعَكُمَا ‌أَسْمَعُ ‌وَأَرَى) (طه: ??)، وكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر في الغار: ?‌لَا ‌تَحْزَنْ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة:??)، فمَن كان الله معه فممَّن يخاف، ومَن كان عليه فمَن يرجو!

ومعية الله -عز وجل- ليست للأنبياء وحدهم، وإنما هي معية للمؤمنين في كلِّ زمان ومكان، فمَن كان مع الله -عز وجل- يرفع رايته، ويعلي كلمته، وينصر دينه، كان الله -عز وجل- معه، بالتسديد والتوفيق والنصرة، فهذه معية الأنس.

كان أبو جهل قبل معركة بدر يأمل في النصر، وكان يدعو الله -عز وجل- فيقول: "اللهم مَن كان اقطعنا للرحم فأحنه الليلة"، أي: اهزمه، فكان يظن لأنه أبو جهل أنه أوصل للرحم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزل قوله -تعالى-: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ‌وَلَنْ ‌تُغْنِيَ ‌عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: 19)، والاستفتاح هو: طلب الحكم بنصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين ودحر المشركين، وما تغني كثرة المشركين، مع معية الله -عز وجل- للمؤمنين، قال -تعالى-: (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا ‌وَلَوْ ‌كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: 19).

ويظهر كذلك بدراسة القصص القرآني: دفاع الله -عز وجل- عن المؤمنين، كما قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ ‌يُدَافِعُ ‌عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج: 38)، وقال في الحديث القدسي: (‌مَنْ ‌عَادَى ‌لِي ‌وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) (رواه البخاري).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com