الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (5) مبشِّرات من سيرة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام

معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (5) مبشِّرات من سيرة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام
أحمد فريد
الأحد ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ - ٢٠:١٣ م
127

معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (5) مبشِّرات من سيرة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-

كتبه/ أحمد فريد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه من أول يوم على التفاؤل، وحسن الظن؛ فقد كانوا يعذبون في ربوع مكة قبل الهجرة، ومع ذلك يعتقدون أن الإسلام لا بد أن ينتصر، وترتفع رايته، ويصير المسلمون ملوك الدنيا وحكام العالم، حتى كان المنافقون والذين في قلوبهم مرض يتهمون الصحابة بالغرو، قال -تعالى-: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ‌غَرَّ ‌هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال:??).

عن خباب ابن الأرت -رضي الله عنه- قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ‌وَلَكِنَّكُمْ ‌تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).

قال الشيخ الغزالي -رحمه الله-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبث عناصر الثقة في قلوب رجاله، ويفيض عليهم مما أفاضه الله على فؤاده من أمل رحيب في انتصار الإسلام، وانتشار مبادئه، وزواله سلطان الطغاة أمام طلائعه المظفرة في المشارق والمغارب، وقد اتخذ المستهزئون من هذه الثقة عادة لسخريتهم وضحكهم، كان الأسود بن عبد المطلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغامزون بهم ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض الذين سيغلبون غدًا ملوك كسري وقيصر ثم يصفرون ويصفقون!".

وقال صفي الدين المبار كفوري: "كان المسلمون يعرفون من أول يوم لاقوا فيه الشدة والاضطهاد -بل ومن قبله-: أن الدخول في الإسلام ليس معناه جر المصائب والحتوف، بل إن الدعوة الإسلامية تهدف منذ أول يومها إلى القضاء على الجاهلية والجهلاء، ونظامهم الغاشم، وأن أهدافها بسط النفوذ على الأرض، والسيطرة على الموقف السياسي في العالم؛ لتقوده الأمة الإسلامية إلى مرضاه الله، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله -عز وجل-، وكان القرآن ينزل بهذه البشارات مرة بالتضرع، وأخرى بالكناية، ففي تلك الفترات القاسية التي ضاقت الأرض على المسلمين وكادت تخنقهم وتقضي على حياتهم، كانت تنزل الآيات بما جَرَى بين الأنبياء السابقين وبين أقوامهم الذين قاموا بتكذيبهم والكفر بهم، وكانت تشتمل الآيات على ذكر الأحوال التي تطابق تمامًا أحوال مسلمي مكة وكفارهم، ثم تذكر هذه الآيات بما تحقق عنه تلك الأحوال من إهلاك الكفرة والظالمين، وإيراث عباد الله الصالحين الأرض والديار، فكانت هذه القصص إشارات واضحة إلى فشل أهل مكة في المستقبل مع نجاح الدعوة الإسلامية".

وفي هذه الفترات نزلت آيات تصرِّح ببشارة غلبة المؤمنين: قال الله -تعالى-: (‌وَلَقَدْ ‌سَبَقَتْ ‌كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ .  وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ . فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ . وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ .) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ . فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) (الصافات:171-177).

وقال: (‌سَيُهْزَمُ ‌الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر:??)، وقال -تعالى-: (‌جُنْدٌ ‌مَا ‌هُنَالِكَ ‌مَهْزُومٌ ‌مِنَ ‌الْأَحْزَابِ) (ص:??).

ونزلت في الذين هاجروا إلى الحبشة: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ ‌بَعْدِ ‌مَا ‌ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (النحل:??).

وحينما كانت الحرب مشتعلة بين الفرس والرومان، وكان الكفار يحبون غلبة الفرس بصفتهم مشركين، والمسلمون يحبون غلبة الرومان بصفتهم مؤمنين بالله والرسل والوحي والكتب، واليوم الآخر، وكانت الغلبة للفرس، أنزل الله بشارة غلبة الروم في بضع سنين، ولكنه لم يقتصر على هذه البشارة الواحدة، بل صرَّح بإشارة أخرى، وهي نصر المؤمنين، حيث قال: (وَيَوْمَئِذٍ ‌يَفْرَحُ ‌الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:4-5).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com